#أكاديميَّة_اتِّساق.
الشخصيَّة الإسلاميَّة: منظومة سمات الإنسان ومكوناته وتفاعلاتها والعوامل المؤثِّرة فيها ومواقفها السُّلوكيَّة.[1] في ضوء عقيدة التَّوحيد ومبادئ الشَّريعة الإسلاميَّة.[2]
ويعدُّ الإيمان بالله الرّكن الأساس في بناء الشَّخصيَّة، لأنه يُشكّل القاعدة الفكرّية التي يبني عليها الإنسان تصوراته وأفكاره وتصديقاته عن الوجود، والموجِد I، وعلاقة الوجود بالموجِد. وبالإيمان بالله كذلك؛ يُكوِّن الإنسانُ مفاهيمه عن الأشياء، تلك المفاهيم التي تتحكم بمشاعره وتنظم سلوكه.
وإنَّ للإيمان بالله آثاراً تربويّة عظيمة تسهم في بناء وتكوين الشَّخصيَّة الإسلاميَّة، وتكون هذه الآثار بحسب القوَّة الإيمانيَّة التي يحملها الفرد بين جوانحه، ويمكن أن نقف في هذا المقال على بعضها على النّحو الآتي:
- الثَّبات على المبدأ: إن الإنسان ليتعرض لأمور صعاب جسام في دنياه، من فقر وقلة يد، واضطهاد، وعداوات، وتكالب الأعداء، فمنهم من يصبر ويثبت على مبادئه الإسلامية، ومنهم من يضعف وينهار أمام تلك الأمور، فيقصر في دينه، وبقدر إيمان الفرد يحصل منه الثبات على الشدائد، والثبات على إحقاق الحق، وعلى مبدأ الصدق، والصبر على أداء العبادات، والثبات على كراهية أعداء الله تعالى، والثبات على إعطاء الحق من نفسه، وعلى كل خير، والبعد عن كل شر[3].
- الشَّجاعة والجرأة: لأنَّ الذي يجبن الإنسان ويوهن عزمه شيئان:
- حبه للنفس والمال والأهل.
- اعتقاده أن أحداً غير الله يميت الإنسان .
فإيمان المرء بـ (لا إله إلا الله) ينزع من قلبه الأول (وهو حبُّه للنَّفس والمال والأهل)، فيجعله موقناً أن الله هو المالك الوحيد لنفسه وماله، فعندئذ يضحي في سبيل مرضاة ربه بكل غالٍ ونفيس عنده. وينزع الثاني (وهو اعتقاده أن أحداً غير الله يميت الإنسان) بأن يلقي في رُوعِه أنَّه لا يقدر على سلب الحياة منه إنسان ولا حَيَوان ولا غيره إلا إذا جاء أجله، من أجل ذلك لا يكونُ في الدنيا أشجع ولا أجرأ ممَّن يؤمن بالله تعالى[4].
- الشُّعور بالعزَّة:وعزة المؤمن؛ إحساس يملأ جوانبه الإباء والشُّموخ، ويحرر نفسه من أيَّة عبودية أو خضوع لغير الله عز وجل، وعندها يستحق المؤمن وظيفة الاستخلاف عن الله في الأرض، وتغلب على جوارحه وأقواله وأفعاله سمات الكرامة والسعادة[5].
- الطمأنينة والرَّجاء: مع السعي وعدم التواكل، فهو مطمئن بعد أن عرف أن الله قريب، يجيب دعوة الداعين، ويتوب على التائبين، وينصف المظلومين، وقد وسعت رحمته كل شيء. وفي هذا توازن بين إبعاد الغرور عن النفس، والتسلح بالأمل والرجاء، فالمؤمن يخاف عذاب الله إن قصَّر، ويرجو رحمته إن أخطأ[6].
- تصبغ حياة المسلم وأعماله فيها بالصبغة الربانية: وتجعله مشدوداً إلى الله في كل ما يؤديه للحياة، فهو يقوم به بنية العابد الخاشع. وروح القانت المخبت، وهذا يدفعه إلى الاستكثار من كل عمل نافع. وكل إنتاج صالح، وكل ما ييسر له ولأبناء نوعه الانتفاع بالحياة، على أمثل وجوهها. فإن ذلك يزيد رصيده من الحسنات والقربات عند الله عز وجل. كما يدعوه هذا المعنى إلى إحسان عمله الدنيوي وتجويده وإتقانه، مادام يقدمه هديَّةً إلى ربه سبحانه، ابتغاءَ رِضوانه وحُسنِ مَثوبتهِ[7].
- المجاهدة وقوة الإرادة:إن للعبادات تأثيراً قوياً على تكوين الإرادة الجازمة التي تجعله يقف عند حدود الله تعالى، ويصمد مع الحقّ أمام الباطل، ومع الفضيلة أمام الرذيلة، لأنها تذكره بالله تعالى وبمسؤوليته أمامه، وبلذة الحياة الآخرة، وبفناء لذة الدنيا الفانية، وأنه محاسب أمام الله تعالى، وأنه ما خُلِقَ إلا لتحقيق العبودية لله تعالی[8].
- حبس النَّفس وفطامها عن المألوفات: لتستعدَّ لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها، وقبول ما تزكو به ممّا فيه حياتها الأبدية[9]، فالصّلاة لها أوقاتها وكيفيَّاتها، والحجُّ له لباسه وخضوعه، والصيَّام فيه امتناع مألوف الحياة، وتذكير بحال الأكباد الجائعة من المسلمين، عبادات تخضع النَّفس وتذلُّها لمعبودها، فتترقى في درجات الكمال.
- تمنح الإنسان الحريَّة الشخصية: في أن يعتقد ما يراه حقاً، وأن يقول ما يراه حقاً، وأن يتصرف في دائرة شخصه بما يعود عليه بالخير في نظره من غير تدخل من أحد، ولا تحكم ذي سلطان في إرادته، وأن يكون له الحقُّ في إبداء رأيه في كل ما يتصل بالمجتمع الذي يعيش فيه[10].
الإنسان في التصور الإسلامي کائن يحمل مسؤولية قيادة مركبته وتحديد مصيره وفق الخطة الإلهية لحياته، إنّه كائن مكلّف، عبدٌ الله، وبقدر ما يكون أداؤه أفضل في القيام بالتكاليف-الواجبات الشرعية- وإمعانه أكبر في العبودية لله، يمتلك حريَّة أكبر إزاء ذاته والطبيعة والكائنات من حوله[11].
- تحقق للإنسان كرامته وتحرِّره من الخضوع والطَّاعة والتَّبعيَّة والعبوديَّة لغير الله: قال الأستاذ أبا عليٍّ الدَّقاق: الحريَّة: أن لا يكون العبد تحتَ رقِّ المخلوقات ولا يجري عليه سلطان المكوِّنات، فحقيقة الحريَّة في كمال العبوديَّة[12].
وأسمى منازل الحريَّة بانعتاق قلبه وروحه من التَّذلُّل لمخاليق يستذلُّونه ويصيرونه عبداً ذليلاً[13]، فحصول الحريَّة والتَّحرر في قلب الإنسان وفي حياته نتيجة ملازمة لحصول التَّوحيد في قلبه، إنَّ الدينونة لله بالتَّوحيد تحرر البشر من الدينونة لغيره، وتخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، وبذلك تحقق للإنسان كرامته وحريته الحقيقية، هذه الحرية وتلك اللتان يستحيل ضمانها في ظل أي نظام آخر غير النظام الإسلامي[14].
فالإيمان بالله ليس كلمة ينطق بها اللسان، ولا هو مجرد تصوُّر فلسفي لعلاقة الإنسان بالخالق I وإنَّما ثورة تحرُّريَّة شاملة للفكر والوجدان، تنظم حياة الإنسان النّفسية، وتوحّد نوازعه، وتفكيره وأهدافه، وتجعل كلّ عواطفه، وسلوكاته، وعاداته، قوًى متضافرة، متعاونة ترمي كلها إلى تحقيق هدف واحد هو الخضوع لله وحده.
[1] خطاطبة، عدنان مصطفى، بنية الشَّخصيَّة الإنسانيَّة ومحدِّداتها وسماتها عند ابن تيمية، مجلة جامعة الملك سعود، م21، العلوم التَّربويَّة والدِّراسات الإسلاميَّة، السعوديَّة -الرِّياض، 2009م -1430هـ، ص545.
[2] خطاطبة، عدنان مصطفى، عقيدة التَّوحيد، إربد- الأردن، 1433هـ 2012م، ص76 من النسخة المخطوطة.
[3] الحازمي، أصول التَّربية الإسلاميَّة، ص110.
[4] الصَّلابي، محمَّد علي، الإيمان بالله جلَّ جلاله، دمشق-سوريا، دار ابن كثير، الطبعة الأولى، 1431هـ، ص34.
[5] الخن، مستو، العقيدة الإسلاميَّة، ص225.
[6] النحلاوي، أصول التربية الإسلاميَّة وأساليبها، ص72.
[7] القرضاوي، العبادة في الإسلام، ص66.
[8] الحازمي، أصول التربية الإسلاميَّة، ص119.
[9] ابن قيم الجوزيَّة، شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن أبي بكر الزُّرعيّ، زاد المعاد، تحقيق: شعيب الأرناؤوط، عبد القادر الأرناؤوط، بيروت-لبنان، مؤسَّسة الرِّسالة، الطَّبعة الرَّابعة، 1425هـ، ج2، ص27.
[10] أبو زهرة، تنظيم الإسلام للمجتمع، ص182.
[11] الغنوشي، الحرِّيات العامَّة في الدَّولة الإسلاميَّة، ص41.
[12] القشيري، الرِّسالة القشيريَّة، ص384-385.
[13] الحميدي، عبد العزيز بن أحمد، الحريَّة وتطبيقاتها في الدِّين والنَّفس والمال، الرياض-السعوديَّة، مركز ابن تيمية للنشر والتَّوزيع، الطبعة الأولى، 1436هـ، ص38.
[14] قطب، في ظلال القرآن، ص1939.