مدوَّنات ومقالات أكاديميَّة اتٌِّساق​

تُخاطب العَقلَ، وتُثيرُ الوِجدانَ، وتُلامس الرُّوح في معالجة ناجعة للمدخلات الموجِّهة للنَّفس الإنسانيَّة، بغية استواء المخرج السُّلوكي والمجتمعي، وذلك في إطار النّظام الإسلاميّ الشَّامل.

دروس في التفاؤل والثبات من موقف نزول الوحي

مقدمة:

يُعد نزول الوحي على النبي محمد ﷺ في غار حراء أحد أعظم الأحداث في التاريخ الإسلامي، إذ شكّل نقطة تحوّل في مسار البشرية. غير أن هذا الحدث الجليل لم يكن خاليًا من المشاعر الإنسانية الطبيعية؛ لم يكن النّبي ﷺ يتوقع ما حدث معه، ولهذا فقد هاله الأمر، ولم يتمكن من التأمل في تلك الحال، فعاد خائفًا يرتجف قلبه وبدنه من هول الموقف، عاد إلى زوجته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، التي كانت تهدئ من روعه وتثبته، وتذكره بأن الله لن يخزيه لأنه حاز فضائل الأعمال ومحاسن الأخلاق الكريمة.

من هذا الموقف العظيم، يمكننا استخلاص دروس نفسيَّة وتربوية تعزز التفاؤل والثبات في مواجهة الأزمات.

أولًا: العواطف الإيجابية كمصدر للقوة:

عندما عاد النبي ﷺ إلى خديجة رضي الله عنها مضطربًا، كانت كلماتها له: ” كلا والله ما يخزيك الله أبدًا تحمل في طياتها رسالة تفاؤلية قوية. فقد ركزت على الجوانب الإيجابية في شخصيّته ﷺ، مذكّرة إياه بفضائله؛ نحو الصّدق، والعون للآخرين، وإكرام الضيف.

تعكس هذه الطريقة في التَّطمين أهمية تعزيز المشاعر الإيجابية في لحظات الخوف، وهو ما يؤكده علماء النفس الحديث في تعزيز الاستقرار العاطفي.

ثانيًا: دور العلاقات الداعمة في تعزيز التفاؤل:

كان لخديجة رضي الله عنها دورٌ أساسي في دعم النبي ﷺ خلال هذه اللحظة الحرجة، مما يبرز أهمية العلاقات الدّاعمة في حياة الإنسان. فوجود شخص مؤمن بك في أوقات الأزمات يساعد على استعادة الثقة بالنفس وتجاوز المحن. ويشير علم النفس الإيجابي إلى أن العلاقات القوية تعزز الصّحة النّفسيّة وتمنح الأفراد القدرة على التحمل.

ثالثًا: المعنى والغاية في مواجهة التحديات:

أكدت خديجة رضي الله عنها للنّبيّ ﷺ أن ما حدث ليس سوى جزء من رسالة عظيمة، فقالت: ” إنّي لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة”. لقد ساعده هذا المعنى العميق على تجاوز صدمة الموقف، مما يوضح أن إدراك الإنسان لغاية أسمى في حياته يجعله أكثر قدرة على مواجهة المصاعب بثبات. وهذا يتوافق مع نظرية المعنى في الحياة التي طرحها علماء النفس، والتي تؤكد أنَّ إيجاد معنى للحياة يعزز قدرة الإنسان على الصمود في وجه الأزمات.

رابعًا: الإنجاز الشّخصي وتعزيز الثقة بالنفس:

عندما ذكّرت خديجة رضي الله عنها النّبيّ ﷺ بصفاته النبيلة، كانت في الواقع تزرع فيه الإحساس بالإنجاز. فالإقرار بالإنجازات السابقة يُعد من الوسائل الفعّالة لتعزيز التفاؤل وتحفيز الإنسان على المضي قدمًا. وتُعد هذه الاستراتيجية مفيدة في التّربية وتطوير الذات، حيث يساعد التذكير بالمواقف الإيجابية على بناء الثقة بالنفس.

خامسًا: التوظيف التربوي لهذه الدروس في الحياة اليومية:

في التربية الأسرية: يمكن للآباء أن يستلهموا من موقف خديجة رضي الله عنها كيفية تعزيز التفاؤل لدى أبنائهم عبر تذكيرهم بقدراتهم وأخلاقهم الإيجابية عند مواجهة التحديات.

في التعليم: يمكن للمعلمين الاستفادة من هذا النموذج في تشجيع الطلاب على رؤية الفرص وسط الصعوبات، من خلال التركيز على نقاط قوتهم.

في بيئة العمل: يشير علماء النفس إلى أن بيئات العمل الداعمة، حيث يُشجَّع الموظفون ويتم تذكيرهم بإنجازاتهم، تعزز الإنتاجية والثقة بالنفس.

خاتمة

يقدّم موقف السِّيدة خديجة رضي الله عنها مع النبي ﷺ نموذجًا رائعًا في كيفية مواجهة الخوف بالمشاعر الإيجابية، وتعزيز التفاؤل من خلال العلاقات الدَّاعمة، وإيجاد معنى أسمى للحياة. وإن استيعاب هذه القيم وتطبيقها في حياتنا اليومية يساعدنا على التّغلب على الأزمات بثقة وثبات، ويجعلنا أكثر قدرة على مواجهة التّحديات بإيمان وأمل.

 ✍#أكاديميَّة_اتِّساق.

شارك المقالة على صفحتك

مقالات ذات صلة: